( قال الراوي ) فلما فرغت من شعرها ونظامها وقع الصنديد في حبها وغرامها ورفع ستار الخيمه بسنان رمحه فوجد صبيه بديعه الجمال فزاد به الوجد والبلبال فصاحت عليه من خلف الستار وقالت علامك تنظر بنات الملوك يا غدار ثم ردت منديلها على وجهها وقالت له لاشك انك قليل الحياء كامخ فا كنت ضيفا كما تقول فانزل كي آتيك بالغداء والا فما هذه الوقاحه ثم قالت لجاريتها اطلعي افرشي له حتى يجلس ويتغذى لبينما يأتي ابي من البريه فخرجت الجاريه اليه وسالته كي ينزل في الصيوان فقال لها انه عيب علي ان انزل عند الحريم وانا سيد عظيم لئلا ادعي بكامح هذا من اعظم القبائح وما اتيت الى هذه الديار الا لامر ضروري وهو ان اتزوج الاميرة ولما تأكدت الاميرة من مرامه قالت يانجيب ان كنت الضيوف فاقعد في الصيوان حتى يأتي ابي من البريه هذا فلم يسمع لها كلام وقال لابد من أخذك الى الاطلال وهناك اتزوج بك بالحلال لاني اتيت من بلاد بعيده لاجل هذه الغايه الوحيده وقد
نلت مرادي وحصلت على مسرة فؤادي ثم انه قام تلك الليله في ذلك المكان وهو مسرور فرحان ولما كان الصباح ركب ظهر الحصان واردفها خلفه وصار يقطع القفار ويوصل سير الليل بسير النهار حتى وصل الديار ولما سمعت اكابر قومه بقدومه ظافرا غانما اجتمعوا اليه وهنئوه بالسلامه وسألوه عن سفرته وماجرى له في غربته فقال اني عند وصولي الى تلك الاطلال هجمت علي الفرسان والابطال ومددت اكثرهم على بساط الرمال وفعلت فعل تذكر على طول الاجيال وقتلت الامير مالك وابن اخيه واتيت بالعروس الى هنا وقد بلغت المنى فلما سمعت مي منه هذا الكلام كان عليها اشد من ضرب الحسام فنهضت على الاقدام فقالت له امام الاعيان لقد نطقت بالزور والبهتان فوحق الاله الديان لو كان ابي وابن عمي حاضران لما كنت رجعت سالما الى اوطانك ولا اجتمعت بأهلك وخلانك ولكنك خطفتني بالاحتيال وهربت في الحال قبل ان تدركك الر جل ويحل بك الوبال ثم انها بعد هدا الكلام بكت بدمع سجام ولما سمع الحاضرون فحوى كلا مها خافوا من القواقب وعلموا بأن كلام الصديد ليس له صحة فهو في حديثه كاذب واما الصنديد فانه اغتاظ من هذا الكلام فنهض والطمها على موجهها وقال هكذا تتكلمين يابنت اللثام امام السادات الكرام ثم سل سيفه وغمده واراد أن يعد مها الحياة فعتد ذلك وثب الوزير وبا قي الا مراء بالعجل وردوه عن ذلك العمل وقالوا له انت امير اتجمل عقلك كعقل النسوان فما تقول عنك ملوك الممالك اذا سمعت بذلك ومازلوا يتوسلون بالكلام حتى لان وكان له سجان أقسى من الصوان فاستدعاه اليه فحضر وكان اسمه عمران بن الازور فقال خذ هذه الملعونه الى بيتك وسلمها الى زوجتك لتقيدها بالحديد وتعذبها العذاب الشديد وتلبسها ثياب الشعر وتضربها خمس مرات في النهار وتطعمها خمس ارغفة من الشعير فقال يامولاي ان هذه الصبيه لاتستحق الضرب والانتقام ولاتستاهل غير الاعزاز والاكرام وهي كأنها البدر التمام فقال لها كيف العمل ومانحن الا عبيد الملك الصنديد فعند ذلك نزعت عنها ثيابها الحريريه والبسها ثوبا من شعر الخنزير وأرادت ان تضربها بالسياط على قدميها فوقعت على رجليها وجعلت تبكي وتثني عليها ثم انشدت من فؤاد متبول :
با الله ان ترثي الى احوالي فالدهر فرق صحبتي وعيالي
يا وحدتي يا ذلتي يا غربتي قد صرت بعد العز بالاغلال
قد كنا في جاه ورفعه منصب والله ربي عالم الاحوال
فترفقي هذا النهار بحالتي فلعل ربي يستجيب لحالي
اني كريمه من اكابر معشر فاقوا الورى بالجاه والافضال
ويعيدني بعد العناء الى الوطن وأرى جميع الاهل والاخوال
ولهم وقائع في البلاد جميعها بين الملوك وزمرة الابطال
( قال الراوي ) فلما فرغت من شعرها ونظامها ورق قلبها وقالت لها قري نفسا وطيبي قلبا سأصنع معروفا لوجه الله تعالي ثم انها جاءت بجلد جاموس يابس فصلته ثوبا والبستها اياه من تحت الثياب وقالت اني متى ضربتك فانك لاتشعرين بألم الضرب وماقصدت بذلك الا ليسمع الملك صوت الضرب وانت تصيحين وتستغيثين وانا أقدم لك ماتحتاجين اليه من المأكل والمشرب ومتى دخل الليل تخلعين ثوب الجلد ترقدين براحه بال الى ان يأتي الله بالفرج فشكرتها مي على معروفها ودعت لها بطول العمر وأوعدتها بالجميل والخير هذا ما كان من مي وماجرى لها أما ماكان من أبيها فأنه عند رجوعه من الصيد سمع صياح والبكاء فسأل عن ذلك فأخبرته زوجته بواقعة الحال فغاب عن الصواب من شدة الغيظ واما الاوس ابن عم الصبيه فأنه غشي عليه لانه كان يحبها محبة عظيمة ولما أفاق من غشوته انشد يقول :
يقول الاوس ابن تغلب قصيد الا يامي من هذا دهاك
اتاك اللص في غيبة ابيك ولم يعلم بمن يسعى وراك
الا يا بنت عمي لو تدري بي على فقدك انا محزون باكي
ترى في أي أرض قد حللت فما قلبي غدا يطلب سواك
فلا بد لي أغزو دياره بالعجل واقتله وافرح في لقاك
وابذل كل مجهودي لاجلك وروحي بعد ذلك هي فداك
لما قال الفتى الاوس بن تغلب فقلبي قد تعلق في هواك
( قال الراوي ) فلما فرغ الاوس من هذا الشعر والنظام وقع مغشيا عليه وبقي طول ذلك الليل في هم وغم وقلق شديد ما عليه من مزيد فجعل عمه يلاطفه بالكلام ويقول له طيب قلبك يا ولدي فما يصلح الحزن الا الى النساء فاصبر لبينما نرسل من يكشف لنا خبر ذلك الرجل وبعد ذلك نسير الى دياره فنخربها ونسبي حريمه وعياله فقال الاوس من يذهب غيري فوالله لاسرت الا وحدي ولا اريد رفيق ولامعين سوى رب العالمين ثم نهض فاعتد جلاده وركب ظهر جواده وودعهم ويار وجد في قطع القفار ودموعه تجري على خديه كالانهار وهو لايدري الى اين يذهب والى اي حلة يقصد من قبائل العرب الى ان وصل الى وادي عميق ضيق الطريق كثير الاشجار والوحوش والاحجار فبينما هو يتأمل ذلك المكان واذا قد ظهر عليه احد الفرسان وهو بالسلاح الكامل والفروسيه عليه علائم ودلائل فلما رأى الاوس منفردا وحه مال اليه وقصده وقال له انزل ياجبان عن ظهر الحصان واخلع ماعليك من الثياب وفز بنفسك في هذه الهضاب قبل ان اسقيك كأس العطب فأنا جمرة بن غمرة فارس العرب .
فلما سمع الاوس هذا الكلام صار الضيا في عينيه كالظلام وهجم عليه في الحال وصدمه صدمة تزعزع الجبال فالتقاه جمرة في الحال والتحما في ساحة المجال واشتد بينهما القتال وتجاولا ساعة من الزمان وهم في ضراب وطعان تقشعر منه الابدان فاختلفا بينهما طعنتين قاتلتين وكان السابق الاوس بن تغلب فجادت في صدره خرجت تلمع من ظهره فوقع قتيلا وفي دمه جديلا فأخذ عدته وجواده وجد في المسير وهو يقطع القفار والاكام مدة خمسة ايام واتفق في اليوم الخامس انه التقى بقارس وهو يجد في قطع القفار كالسهم الطيار فتقدم اليه وسلم عليه وقال له الى اين سائر والى من تنسب من القبائل والعشائر فقال انني من بني عبس وعدنان أصحاب الفضل والاحسان واني ساير الى ديار بني عامر لاستدعي حامينا عنتر فارس الخيل لانه سار من عشرة ايام ليحضر وليمه دعاه اليها عامر بن الطفيل وفي غيبته غزانا عمرو بن معد يكرب في خمسة الاف فارس فحاربنا محاربة شديدة وجرى بيننا وبينه وقائع عديدة فأرسلني مولاي قيس بن زهير لاستدعيه للحضور قبل ان يظفر عامر المذكور فقال الاوس وقد تعجب ومن هو عنتر بن شداد فارس الصدام الذي اشتهر ذكره في هذه الايام بطعن الرمح وبضرب الحسام وقهر كبار الجبابرة وحارب الملوك والاكاسرة والقياصرة وافتخر على الابطال في ساحة الميدان فلما سمع الاوس هذا الخبر وانبهر ثم ودعه وجد في قطع البر الاقفر ومازال يقطع البراري والاكام مدة سبعة ايام حتى اشرف على جماعه من العبيد ترعى الاغنام فحياهم بالسلام واخذ يسألهم بهذا الشعر والنظام :
يقول الفتى المضنى الفائض ما به فدمعي جرى فوق الخدود سائح
الا ياعبيد الخير بالله اشفعوا لصب بعيد الدار ولهان نازح
فجيع وجيع مستهام ملوع تركه البين مضنى كثير الجرايح
لقد ضاع لي حرة عفيفة من الحنا فهل من يبشر بها يا فوالح
ويخبرني لأي البلاد توجهت من أجلها ناري تزيد اللقايح
لقد احرقت قلبي والبي مهجتي وكل عظامي اوثقتهم جرايح
( قال الراوي ) فلما فرغ من كلامه تقدم اليه كبير الرعيان وكان اسمه مرجان وقال له اعلم يا غلام انه من برهة عشرة ايام سبى اميرنا الصنديد ابنه اسمها مي لايوجد اجمل منها في نساء هذا الحي فأراد ان يتزوجها فامتنعت عنه فلم تميل اليه فقيدها بقيود من حديد وهو كل يوم يعذبها عذاب شديد فعسى تكون الحرة التي ذكرتها في نظمك افرج الله همك وغمك فلما سمع الاوس هذا الكلام استبشر ببلوغ المرام ونزل عن ظهر الحصان وقبل العبد مرجان وأوعده بالجميل والاحسان فبينما هو بالحديث والكلام واذا بسعد ابت أخت الصنديد قد جاء ليكشف أخبارها ويرجع بها الى ديارها فلما سمع هذا الكلام رجع عند خاله وأعلمه بما سمع ورأى وأشار اليه يقول :
قال سعد قد اتيتك عارا ياخال مى فاسمع الاخبارا
البنت التي غربتها من أهلها من خلفها فارس اتاك جهارا
ياخال فارس في اللقا مجرب وعيونه ياخال تقدح نارا
ان كان راقت لك ليالي الصفا فبصفوها تأتي لك الاكدارا
قد جاء الى عند العبيد يسأل انبوه فجاء كالاسد هدارا
لما سمعت اتيت نحوك عاجل هذا الذي ياخال تم وصارا
( قال الراوي ) فلما فرغ سعد من شعره ونظامه وفهم الصنديد فحوى كلامه قال له فارس واحد قال نعم ايها السيد الماجد فشتمه خاله وقال ارجع وخذ من بين جنبيه فأنه لايليق بي ان اركب لقتال صعلوك من صعاليك العرب فخرج سعد من عند خاله وقصد الاوس .
فلما اجتمع به وصاح فيه وحمل عليه فالتقاه كالاسد وضربه بالحسام المهند فألقاه على الارض قتيلا فأخذ عدته وسلبه ثيابه ولما بلغ خاله الخبر طار من عينيه الشرر فركب ظهر جواده واعتد بعدة جلادة وقصد الاوس حتى التقى به وانطبق عليه كليث الاجام وأخذ معه في القتال والكفاح ولم تكن الا ساعة حتى اثخنه بالجرح فولا وطلب لنفسه الهرب فتبعه مثل السرحان حتى وصل الصيوان واحتما عند النسوان فلما دخل على الحريم قالت له زوجته سعد علامك دخلت وانت مرعوب كل هذا لاجل الابنه التي خطفتها وما نالت المرغوب فقالت انك تستحق اكثر من ذلك وبخته بالكلام وقالت له انت تدعي الفروسيه على كل واحد وتهرب من امام امرد هذا والاوس يصيح عليه ويقول اخرج يالئيم من بين الحريم حتى اجازيك على تلك الفعله ياغدار يا محتال فخاف الصنديد وقال لزوجته سعده اعطيه ابنة عمه وكافينا همنا وهمه وخرجت زوجته اليه وقبلته وطلبت منه العفو والسماح فأعطاهما الامان فجاءوا له بإبنة عمه مي بعد ان لبسوه الثياب الفاخره وذبحوا له الذبائح وقدموا له الاطعمه المتكاثره ولما اجتمع به زال عن قلبه الكدر من كثرة فرحته اخذ يسكب العبر وهكذا فعلت مي وكان ذلك النهار عنده كيوم العيد حيث التقت بحبيبها الوحيد .
( قال الراوي ) فباتا تلك الليله في الحله وعند الصباح اركب مي في هودج وسار معه جماعة من العبيد وتوجهوا قاصدين دياره ولما اقترب من بلاده ارسل يبشر عمه الامير مالك بقدومه وشاع الخير في الحي وخرجت النساء والبنات واكابر السادات ولما اجتمعوا ببعضهم البعض نزل الامير مالك فسلم على الاوس وابنته وشكر ابن اخيه على افعاله وعند وصوله الى الخيام حدثهم بحديث عنتر وما سمع عنه من الخير فقال عمه والله سمعنا بذ كره وأنه من أ فرس فرسان عصره وبعد ذلك ذبحواالذ بائح والموا الولا ئم ثم زفو ا الاوس على ابنة عمه فكانت اليلة من أعظم حضرها جمهور من السادات والموالى فزادت أفراح الاوس بتلك العروس وحظى بدلك الحسن والجمال وعاش معهما بأ رغد عيش وأحسن حال وبعد ذلك وضعت له غلا ما سماه ما لك وله حد يث طو يل فا تفق بعد عشرة ايام أن ابن الاوس ضعف ضعفا شديدا فمات فحزن الاوس عليه ودفنه بالاحترام والوقار بكت عليه الكبار والصغار وكان موصوفا باللطف والايناس ومحبوبا من جميع الناس وأرسل الاوس وأعلم جده بذلك الخبر فحزن وتكدر فقالت أختك اليمامه أرسل ياأخي وأحضر أبن عمك الاوس مع أهله ليجمع شملنا بشمله أجابها الى ذلك وفي الحال أرسل رجلا من بني عمه ليحكم مكانه فجاء الاوس مع أهله وسكن عند الجرو جده وراق لهما الزمان واما ماكان للبطل الهمام صاحب الذكر الشهير المدعو بسالم الزير فأنه كان قد أخناه الدهر وضعفت قواه وهو مع ذلك مواظب على أكل الطعام وشرب المدام وكان لا ينام الا وهولابس عدة الحرب والصدام وما زالوا على تلك الحال حتى برز له أسنان جدد وصار عقله مثل عقل الولد وكانت بنات أخيه تخدمه وتداويه فاجتمع يوما بالجرو وقال له ياابن أخي قد ضاقت أخلاقي من الوحده والانفراد فأريد منك أن ترسلني مع بعض الاتباع لتنزه في البلاد فأجابه الى ماطلب وأركبه في هودج وأعطاه عبدان برسم الخدمه وجميع ما يحتاج اليه من لوازم السفر فودعه المهلهل وما زال يجول حتى أقترب من بلاد الصعيد وكان العبدان قد تعبا من مشقة الطريق وهما يلاقيان من التعب أشد الضيق فصمما على قتله وأعدامه بالكليه وانما يقولان لاهله قد ادركته المنيه فعرف الزير منهما فقال قد دنى همامي وليس الا القبر امامي فإذا ادركتني منيتي اريد منكما ان تبلغا اهلي وصيتي قالا وماهي وصيتك فعاهدهما على حفظها وتأييدها فحلفا له بأعظم الاقسام بأنهما يبلغونها بالكمال والتمام فقال اذا وصلتم الحي فاقريا أهلي من السلام وانشدوهم هذا البيت وقولا لهم اني في القبر قد أختبيت .
من مبلغ الاقوام ان مهلهلا لله دركما ودر ابيكما
وكرره عليهم حتى حفظاه ولما دخل الليل ذبحوه ودفناه تحت التراب ورجعا الى ديارهما ودخلا على سيدهما الجرو وأعلماه بموت عمه الزير فبكا بكاء شديدا ومن حضر ثم ان العبدان اقتربا من الجرو وانشداه البيت المذكور .
فلما سمع الجرو هذا استغربه حيث لامعنى له فاستدعى بأخته اليمامه وكانت من اذكى نساء العرب وعلمها عمها وانشدها ذلك البيت فلطمت على وجهها وبكت قالت ان عمي لايقول ابيات ناقصه بل اراد ان يقول :
من مبلغ الاقوام ان مهلهلا أضحى قتيلا الفلاة مجندلا
لله دركما ودر ابيكما لايبرح العبدان حتى يقتلا
ثم انهما قبضا على العبدان والقوهما تحت العذاب والضرب الشديد الى ان أقر بأنهما قتلاه ودفناه فقتلهما الجرو في الحال وهكذا انتهت حياة الزير وقد أخذ ثاره في حياته وبعد مماته .
تمت قصة الزير ابو ليلى المهلهل بعون الله تعالى