(الجزء الثاني)
والاعلام وأرسلوا رجلا من أكابر العمد لكي يعلم تبع بوصولهم الى البلد فسار على الاثر وأعلم الملك بذلك الخبر ففرح واستبشر وزال منه القلق والضجر واحضر الرمال وكان عنده رمال شاطر فحضر بين يديه فقال له التبع اضرب لي تخت الرمل فجلس وضرب الرمل فرأى جميع ما فعلته بنو قيس وقال الصناديق فيها رجال وأشار يقول :
قال الفتى الرمال صادق سقاتي الدهر كاسات المرارا
تبعت الرمل وأنا كنت طفلا وقبلته يمين مع يسارا
ولاأحد مثلي بالرمل عارف ولاغيري يعرف كيف سارا
أحط الرمل بأربع أمهات وولد الصغارا مع الكبارا
الا ياأمير تبع ياملكنا ياعز العذارى يوم غارا
أقول لك عن التقادير والجنايب وتحسب أن جابوا لك تجارا
جوا ياملك هم يقتلوك ويدعوا القصر بعدك دشارا
صناديق التي لك حملوها بها ابطال بالعدد أمارا
يريدون قتلك ياملك عاجل لهم ثار عليك وأي ثارا
هذا قد أعلمك يامسمى وبالدنيا يشيع لها خبارا
( قال الراوي ) فلما فرغ من كلامه وتبع يسمع نظامه نادى على العبيد فحضروا مائة عبد وقال لهم روحوا الى العمارة وكل صندوق تلاقوا فيه رجال ا**روه فانطلق العبيد الى العمارة وهم أسعد وسعيد وبقية لالمائة عبد هذا في يده عصا والاخر في يده بلطه والثاني في يده دبوس حديد ولما وصلوا الى العماره ابتدأوا ب**ر الصناديق و**روا الاول والثاني الى العشرة فصاحت الجليله ياعبيد السوء لماذا ت**روا صناديقي فقال لها العبيد الرمال قال ان في هذه الصناديق رجالا فتقمت وفتحت لمه عشرة صناديق فما وجدوا فيها غير جهازها والقماش فقالوا ان الرمال كذاب وعادوا يردون الجواب يقع كلام ثم يرجع الحديث الى عجوز يقال لها حجلان وكانت رماله وهي التي علمت الرمال بان لها جميع ما فعلوه بني قيس وتباين لها ان الصناديق طبقتين في السفلى رجال وفي العليا قماش فافتكرت ساعه من الزمان وضربت ثاني رمل رأت بني قيس يقتلون التبع لامحاله فقالت خيرا لي أخذ الوجه الابيض عند بني قيس لقامت أخذت عصاتها بيدها وسارت الى أن وصلت عند بني قيس وهم في ارتباك عظيم فقالت لهم انا اتيت من عند تبع فقالوا لها وما قصدك قالت قصدي كشف الصناديق لان الرمال قال ان فيها رجال ففتحوا لها أول صندوق والثاني فقالت أني أرى الصناديق من الظاهر ذات عمق ومن الداخل بخلاف ذلك وضربت على الطبقه السفلى فلما رأوها عارفه قالوا استري على ماستره الله وفتحوا صندوق واعطوها ثلاث بدلات حرير فقالت من الان وصاعدا أساعدكم على قتل تبع ثم انالعجوز طلعت الى عند تبع والرمال بين يديه وعمال يضرب الرمل لان العبيد أخبروا تبع بما شاهدوا وكذلك العجوز أخبرته كما أخبروه العبيد فقال تبع ياعجوز الرمال كذاب قالت أن الرمال عمي من أكل الثوم والبصل فأمر الملك بضرب عنقه وراحت روحه الى الوادي الاحمر وتقدمت العجوز الى الملك وأشارت توصف حسن الجليله ومااعطاها الله من الحسن والجمال :
تقول العجوز التي شاهدت مليحه تريح العنا والصدود
يأمير تبع يهنيك فيها السعد وأقبل الخير لك والسعود
أتوك بني قيس أهل السماح وجابوا لك الخيل ثم النقود
وجاوبا الجليله لشخصك حليله بخدين حمر وعينين سود
وقامة طويله كعود القنا فوق الكتاف ترخى الجعود
بشعر طويل وشعر كحيل بلا جرميل تصيد الاسود
حواجب كما قوس ترمي الهزوم وذات حزام الذهب على النهود
وذات شقاف رقاق نظاف عقايل طرايف تزيل النكود
ولها وجه كبدر بليله قدر وجنات حمر كما الورد
وجسم رقيق وريق رحيق وسنان لولو سبت الورود
لها عنق كعنق الغزال وطوق الذهب يوقد وقود
اكتاف العاج مثل الزجاج والنقش مواج فوق الزنود
وكفين أطرى من الياسمين من قد حواها ينال السعود
وصدر كاللوح خلقه الاله وقد زين الصدر جوز النهود
وأعطاف وأرداف مثل العجين خلق الاله مهيمن ودود
أما الحجول تزيل العقول حب الطرف يطفىء الصدود
أما القلائد مناسل ذهوب من الراس مكعوب مثل البنود
وملبوسها مليح حرير مقصب مطيب بمسك وزهر وعود
وان شافها رجل عابد فقيه غدا العقل منه شارد شرود
قد زينوا بني قيس لك عروسا تجلى لاجلك كل هم وكود
للملك حقا قد أحضروا مليحه حلالها يزيل النقود
فأرسل وراها وخلى المحال واسمع كلامي واجلي الصدود
وادخل على بنت مرة وكن لطيفا بقطف ثمار النهود
( قال الراوي ) فلما فرغت العجوز من كلامها والملك تبع يسمع نظامها فراح عقله من وصف العجوز ونادى على الوزير يأمره أن يحضر الجليله بالتبجيل والتكريم وخلفها السراري بمكوب عظيم فدخلت على تبع وكان جالسا على كرسي المملكه وعلى راسه تاج من الذهب الفاخر مرصعا بأنواع الجواهر فسلمت عليه ووقفت بين يديه فرد عليها السلام وآنسها بالحديث والكلام وقال لها أهلا وسهلا بالسيدة الكريمة والدرة التي ليس يقدر لها قيمه ثم اجلسها بمكان قريب منه وترحب بها غاية الترحيب وقد انبهر من فرط جمالها وعذوبة الفاظها وفصاحة مقالها لانها كانت متصفه بالادب ومن أجمل نساء العرب فأخذ الملك يسألها عن أهلها وعشيرتها فقالت له بكلام الدلال أعلم أيها الملك المفضال أن اتصالي بجانبك وتشريفي بساحة بابك جعل لقبيلتنا اسما كبيرا وذكرا بين الناس شهيرا كيف لا وانت ملك هذا الزمان والجوهرة الثمينه في هذا الاوان الله يحفظك لنا ويبقيك وينصرك على جميع حسادك وأعاديك فان كنت تعظم شأني وترفع مرتبتي على اقراني لاتترك ابي وأعمامي وسادات أهلي واقوامي بعيد عن فضلك واحسانك لانهم قد صاروا من جملة أتباعك وأعوانك فأمر لهم بمكان ينزلون فيه بصناديق جهازي وباقي الاحمال تحضر الى هنا في الحال لانها مملوءة من التحف والجواهر والقماش ومع كل ذلك فنحن أولاد عم .
( قال الراوي ) فأمر تبع وزيره نبهان يذهب في جماعه من الاعيان ويعد الى الامير مرة أبي الجليله ومن معه من بني عمه قصرا من القصور الجميله وأن ينزل بقية الفرسان في غير مكان ويقدمون لهم الطعام والشراب ومايلزم من الثياب فأجاب الوزير بالسمع والطاعه وفعل كما أمر مولاه من تلك الساعه وبعد أن نفذ الوزير الامر ووضع الصناديق في داخل القصر التفت الملك تبع الى مرة وقال له يا عمي مابقي من بعدي الا أنت من مقامي فان غبت أنا تكون أنت حاكم مكاني ثم أنه قربه اليه وأخذ يترحب بالجليله ويقول :
يقول التبع اليمن الكبارى أنا يافيس زال الهم عني
الا يامرحبا يا أمير مرة أنا منكم وأنتم اليوم مني
ترى لولا الجليله لي تعاتب وجابت لي الحسب والنسب مني
فما علمت أننا يمنا وقيسا بني جدين أخوين بطني
فلا تعتب علي بقت أخيك ماقد صار ما بالعلم مني
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من كلامه والحاضرين يسمعون نظامه أخذوا بالكأس والطاس وقال للجماعه حلت البركه فيكم فقعدت تشرب معه المدام وشرب الملك تبع الى أن سكر وغنت البنات ورقصت فقال تبع للجليله ياسيدة الملاح وكوكب الصباح قد أجرينا المطلوب طبق المرغوب فهل لك غرض آخر تقضيه حتى نفعل ماترغبينه وتشتهيه وكانت الجليله تخول أفكارها لاجل أن تستدعي كليب الى عندها وقد سمعت صوته عند القصر وهو يصرخ من جوانب القصر لانه راكب على فرسه القصب وبيد دبوس من الخشب وكان يرقص في البستان وينتقل من مكان الى مكان فقالت نعم ايها السيد الماجد باقي لي غرض واحد وهو ان لي نديم اسمه قشمر لايوجد مثله بين البشر حلو الصفات سريع الحركات يضحك الاحجار بأفعاله ويزيل الهموم بغرائب أعماله قد أحضرته هذه المرة في خدمتي ليسليني عند حزني فان حسن لديك أمر أن يدخل اليك ويلعب بين يديك فيزداد سرورك وانشراحك وتزول احزانك فضحك من كلامها واجابها الى مرامها وأمر الخدام بادخاله ليري طرفا من أعماله وعند وصوله الى باب الايوان نظر السلسله التي ذكرها العابد نعمان فامتنع عن الدخول وأخذ يتكلم بكلام مجهول ويقول ماهذه الحيله التي أراها وأنا خايف من شرها وأذاها فقال ادخل وماعليك من باس فما هي الا سلسله من نحاس فأبى وامتنع وهو يظهر على نفسه الخوف والفزع ولما طال المطال التفتت الجليله الى تبع في الحال وقالت له بكلام الدلال أعلم أن قشمر من أخوف البشر فان حسن لديك ولم يصعد عليك أمر الخدام والحجاب برفع السلسله عن الباب فرفعوها واتوا بقشمر اليه فلما صار بين يديه سلم عليه ودعا له بطول العمر والبقاء ودوام العز والارتقاء وأخذ كليب يمزح أمامه ويلعب بسيفه قدامه وهو في تلك الثياب التي ذكرناها والصفه المضحكه التي وصفناها فكان تارة يبحلق عينيه ويرقص الارض بيديه ورجليه وتارة يقول اين الفرسان الفحول وأين أبو عطبول وأحيانا يرقص ويضحك بلا سبب وهو راكب الفرس القصب ويسوقها بذلك الدبوس الخشب كان من أعجب العجب فاندهش تبع من اعماله واستغرب من أحواله وأقواله .
ثم قال للجليله والله ياكاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول الذي يدهش بأفعاله العقول فانه من كثرة هزله وخفة عقله جميل الصورة فصيح الخطاب سريع الكلام والجواب فقالت له صدقت فيما نطقت فانني لم أر رجلا مثله بين الانام في الزلاقه وفصاحة الكلام ومتى بقي عندك عشرة أيام يقوم بمنادمتك حق القيام ويدعوك مشروح الخاطر على طول الزمان ثم قال قشمر وهو كليب للتبع حسان أن كنت تريد ان تطرب الان فأمر سيدتي الجليله أن تغيك بأبيات من الشعر فان صوتها مليح ولفظها فصيح فقال لها هل تحسنين الغناء ياسيدة النساء فقالت أي وابيك فان كنت تريد مني أن أغنيك وأكربك وأسليك فأمر قشمر أن يقفل الباب لئلا يسمعنا أحد الخدام والحجاب فاستصوب كلامها الملك تبع وامر قشمر ان يقفل باب المخدع فقفله وعاد بالعجل وقد أيقن ببلوغ الامل وأنشدت تقول من فؤاد متبول :
لقد قالت الجليلة بنت مرة شربت الخمر مابين الامارة
شربنا الخمر في كاسات جوهر فزال العقل واصبحنا سكارة
بحضرة تبع الملك المسمى بحسان اذا ماشن غارة
وقد أمسيت في قبضة يديه ومن حبه شعل قلبي نارة
الا ياحارس البستان صنه وان فرطت الطير طارة
( قال الراوي ) فلما انتهت الجليله من هذا الشعر والنظام زاد بالتبع الوجد والغرام وسكر من غير مدام وقال مثلك من تكون من النساء فقد زاد سرورنا في هذا المساء فلما رآه زاد به الطرب وأخذ يرقص أمامه ويلعب أمام الملك الاكبر فقال أعطيني أذن حسامك وأنا العب به أمامك فقالت له الجليله بحياتي عليك أن تبلغه الارب وتعطيه ماطلب فانك ترى منه العجب فأمره أن يدخل الى قاعة السلاح فيأخذ السيف ويرجع بالعجل فأجاب كليب وامتثل وكانت الجليله أومت اليه ان يسرع في العمل وعند دخوله الى ذلك المخدع وجد سلاح تبع فلبس الدرع وتقلد بالسيف ووضع الخوذة على رأسه وخرج بالعجل كأنه قلة من القلل أو قطعة فصلت من جبل بعد أن فتح صناديق الاحمال وأخرج الفرسان والابطال فبقوا في ساحة الدار وقاموا له بالانتظار وكان قد سل الحسام من غمده وهو يهزه في يديه ثم دخل على الملك وقد أحمرت عيناه وتذكر أباه فصال وجال ولعب بالسيف كما تلعب الابطال في ساحة القتال وبعده تقدم وهجم عليه فعرفه حينئذ الملك تبع وقد انقطع من الخوف وأيقن بالهلاك والقلعان فقال بالله عليك ياسيد الشجعان وفارس الميدان أن تعفو عني وتسمح عما فرط مني فقال لابد من قتلك كما قتلت أبي وأكون قد أخذت ثأري وبلغت أربي فقال تبع اذا كان لابد لك من هذا الشان فأمهلني ساعة من الزمن حتى أفيدك عن جميع الامور والاحوال التي تحدث الى آخر الاجيال فقد اتضح لي الحال ووقعت في شرك العقال ثم أنشد وقال :
الملحمة الكبرى للتبع حسان
يقول التبع الملك اليماني لهيب النار تشعل في فؤادي
أمير كليب يافارس ربيعه وياحامي النساء يوم الطراد
أريد اليوم أن أعلمك شيئا لتعرف حال أخبار العباد
فموسى كان في الدنيا نبيا له التوراة أعطت للرشاد
وداود النبي قد جاء بعده يبشر بالزبور أهل الفساد
وعيسى ابن مريم جاء ايضا بانجيل الخلاص لكي ينادي
نبي لم يكن في الناس مثله لان الله اختاره يفادي
فكم ميت بكلمته أقامه وسقيم شفاه من الامراض
وعندي قد تبين بالملاحم بأنك قاتلي دون العباد
وبعده شاعر تنزل عليكم وتفتن بين قيس في البلاد
وأنت برمح جساس ستطعن وعبدي يذبحك بين الجماد
وتكتب بدمائك على البلاطه لمن بعدك لتشتيت الأعادي
ويأتي أبو ليلى المهلهل فيصلي الحرب في كل البلاد
ويقهر كل جبار عنيد يضرب بالسيف في يوم الجلاد
وتأخذ للجليلة لك قرينة وتحظى بالمسرة والمراد
ويظهر لك غلام بعد موتك يسمى الجرو قهار الأعادي
ويقتل الى جساس خاله وأما الزير تقتله الأعادي
وسيف ذو يزن بعدك سيظهر وتصحبه السعادة في العباد
ويبقى ملكه سبعون عاما وبعد ذلك يطوى في الوهاد
ويظهر له ولد يدعى بدمر شديد اليأس مرفوع العماد
فيملك في بلاد الشام بعده يجيب الماء من اقصى البلاد
وبعده يظهر المدعو بعنتر يهين الضد في يوم الطراد
وبعده يظهر الهادي محمد يقيم الدين مابين العباد
واصحابه معه عشرة كوامل كرام الناس سادات البلاد
وأبو بكر وسعد مع سعيد وطلحة والزبير ابن الجياد
وعثمان مع عمر وعلي وعامر مع حسين أهل الرشاد
يموت الهاشمي ويصير خلف على الأحكام بعده عمر بالعباد
أبوبكر يموت بلسع حية وبعده عمر يقتل بالطراد
علي بالسيف يردية ابن ملجم يتيما انتشى بين الولاد
ولا يعرف له قبر محقق على وجه الثرى بين العباد
وتختلف الصحابة على الحكومة ويحكمها حسين بالبوادي
وبعده بني العباس تحكم سنين كثيرة بين العباد
وبعده الخوارج سوف تظهر فواطمة الفواحش والعناد
يقيموا الشر في كل الأراضي ويملوا الأرض طرا بالفساد
وتظهر من بالد الشر عصبة فيقصد جيشها غرب البلاد
هلال وعامر مع آل قيس يزيد وحرب حمير مع أياد
حسن أمير فخر البرايا وبعد ديار قهار الأعادي
وأبو زيد ابن عمه ليث أروع شديد البأس في يوم الطراد
يطوفون البلاد فيملكوها ويسبون العدا أهل العناد
ويمحو العجم مع كل طاغ بأرماح وأسياف حداد
وقبرص والجزائر يملكوها وبدريس الخزاعي والأعادي شبيب التبعي بالشام يقتل وتترك جثته فوق الجماد
وسركيس بن تاذب سوف يقتل بسيف دياب قهار الأعادي
كذا فرمند مع مصر العدية ستخرب دورها بين البلاد
وبعده نظهر الأشطان ظالم خبيث الأصل من قوم شداد
بنو أيوب تظهر بعد منه يقيمون الذين من بعد الفساد
ويظهر ابن عثمان المساعد بأرض الشرق ويحكم بالعباد
ملوك الأرض تخشى من لقاهم لأن جيوشهم مثل الجراد
عداد ملوكهم عشرة عشرة وتسعة بعدهم دون ازدياد
ويظهر ضده المهدي سريعا يثير الفتن والحرب في كل البلاد
طويل الجسم ذو همة عالية له اسمين من ظاهر وبادي
يقيم السيف في الأقطار عمدا ويجري الدم في كل البواد
ويظهر فارسا يدعى قطيعه فعشر سنين يظلم العباد
ويظهر بعده الدجا حقا فتتبعه الورى أهل الفساد
يطوب الأرض من شرق وغرب ويفعل معجزات في البلاد
ويظهر ضد المهدي سريعا ويسطع نوره في كل وادي
فهو عيسى المسمى ابن مريم فيقتلك ويملك في البلاد
وبعده دابة تظهر سريعا فتفعل معجزات في البلاد
ونار من عدن تظهر وتسطع فتشكو الناس من هول النكاد
وبعده الشمس تظهر من مغيب وتزداد الخلائق في الفساد
ويأجوج ومأجوج جميعا تحيط رجالهم كل البلاد
فلا نهر الفرات لهم يروى ولا سيعون ولا الدجلة المراد
ويغشى الأرض موتا ياكليبا وجوع وقتل في كل العباد
ونيران تعم الأرض طرا على أعلى الجبال وفي كل واد
وبعده يغلق باب المراسم وباب الشر فتح باقتصاد
فلا يصعد ولا يأتي جواب فذاك الوقت يحترق العباد
وبعده يظهر من جهنم وينفخ ريح من أقصى البلاد
يموت الخلق منه ليس يبقى سوى الرحمن خلاق العباد
وبعده يظهر الديان حقا اله العرش ديان العباد
فعندي الجفر قد أخبر مؤكد بما أخبرتكم دون ازدياد
واسمع ياأمير كليب مني حقائق قصتي وافهم مرادي
ولا تفرح عن حالي وضعفي اجرني ياملك وأطلق قيادي
وأعلم ياأمير اني عتيقك مدى عمري الى يوم الميعاد
( قال الراوي ) ولما فرغ الملك تبع من هذه الملحمه وسمع كليب ما فيها من الاخبار المتقدمة والمتأخرة تعجب غاية العجب وقال لست أعفو عن قطع رأسك وأخماد انفاسك لأنك افتريت وظلمت وتعديت ثم أجابه بهذا القصيد على سبيل التهكم والتهديد :
يقول كليب قهار الأعادي كلا أشد من ضرب الهادي
أنا قد صرت هذا اليوم حاكم أتاني السعد مع نيل المراد
أيا تبع الينا قد جيت عاجل قتلت أبي وخربت البلاد
فما أبقيت قيمة للأمارة وقد البستهم ثوب السواد
هتكت الأرض ياتبع بفعلك وصيرت الأنام لك أعادي
جعلت رجالن تشبه نسانا وأذللت الأمارة في البلاد
فوالله ثم والله ثم والله اله خالق كل البوادي
فلست براجع عن قطع رأسك ولو ملكتني كل البوادي
( قال الراوي ) فلما فرغ الأمير كليب من كلامه وفهم تبع فحوى قصده ومرامه قال بالله عليك أيها السيد المحترم أن تعفو عن وتجعلني من الخدام فقال كليب لابد من قطع رأسك يامهان ولكن أسألك لماذا قتلت أبي غدرا وما بالميدان فقال تبع أذا كان لابد من ذلك يافارس المعارك فأمهلني
ساعة حتى أخبرك عن قتل أبيك وأتودع من هذه الدنيا قليلا ثم أبدى حزنا وعويلا وأشار يقول من فؤادي متبول وعمر السامعين يطول :
قال الملك تبع حسان ظلمني دهري دون الناس
ياأبن ربيعه يامخدوم أنت أمير شديد الباس
طويل الباع بيوم نزاع عفيف شجاع ثقيل الراس
تسألني عن قتل أبيك فكل بنايه لها أساس
فلما جيت لأرض الشام أتى للقانا كل الناس
أتاني كل أكابر قيس وكل أمير لدي باس
الا أبوك فقد خالف ولم يفعل كباقي الناس
فزاد الغيظ بوسط القلب أمر بشنقه للحراس
وهذا بأمر الله مكتوب فوق جبينه بأعلى الراس
وأنا بقيت بهذا اليوم وحيد فريد بلا أيناس
أريد العفو عما جنيت بحياة عمك مع جساس
أني كنت زعيم القوم وحمي نافذ بين الناس
فما أتاني وعد الله بطل العزم وظني حساس
دعتني الجليله بالحيله وغابت عني كل الناس
وهذ أمر الله محتوم وامر نافذ فوق الناس
( قال الراوي ) فلما فرغ تبع من هذا الشعر والنظام قال له كليب لابد من قتلك بحد الحسام حتى ترتاح الناس من شرك وتأمن عاقبة غدرك ثم ضربه بالسيف على عاتقه فخرج يلمع من علائقه فوقع على الارض قتيلا وفي دمه جديلا فلما راته الجليله قد مات زاد بها الافراح واعتنقت ابن عمها وقبلته وقالت له مثلك من تكون الفرسان ياليث الميدان فشكرها كليب وهن ها بسلامتها وزاد في أعزازها وكرامتها ثم خرج من المخدع وأعلم الفرسان بقتل الملك تبع وقال لهم لقد بلغنا المراد فكونوا على حذر واستعداد لامتلاك البلاد فقالوا نحن بين يديك ولانبخل بأرواحنا عليك ثم وضع راس الملك على راس السنان وخرج الابطال والفرسان وطافوا في شوراع البلده وضربوا من وجدوه بالسيف المهند وهم يقولون عن فرد لسان هذا راس سيدكم حسان فقد عدمناه وقتلناه وارحنا الناس من شره وبلاه فمن عصى هلكناه ومن اطاع ابقيناه على قيد الحياه وله منا الامان على طول الزمان .