أنا الرجل المطحون من العتمة إلى العتمة، ومن البحر المحيط إلى البحر المحيط، ومن القطب العالمي إلى القطب الجغرافي.
أنا الأب العربي الذي يمضغ شوك الصحراء لتخرج نفطا اسودا في الخليج، أتعلمون لماذا لون النفط اسود : هو حصاد ليالي القهر والصبر ودموع آلاف الفقراء المبتهلين إلى الله في أرضه المقدسة حيث بيته المحرم بواد غير ذي زرع .
أنا الأب العربي الذي يمضغ خشب النخيل في العراق بحثا عن حليب أطفاله، فيصير التمر رصاصا. أتعلمون لماذا تستطيل جذوع النخل، من اجل أن تتخطى حمام الدم الفوار من قبل أيام بابل الأولى.
أنا الذي يمضغ ملح البحر مئات السنين في الإمارات المباركة من اجل أن يصنع اللؤلؤ في جيب رجل واحد، تاجر وآلاف العبيد ، ومن اجل أن ينعم جيل قادم بحياة كالحياة .
أنا الدم المسفوك في فلسطين ، الحلم المذبوح في غزة ، السور المتداعي في القدس . أنا الشيخ الذي يحمل ضعفه وهرمه لكي يصلي الجمعة في المسجد الأقصى ، ربما تكون تلك هي الجمعة الأخيرة له ، وعندئذ تلقي به مجندة شمطاء على رصيف الانتظار ساعات أمام شاشات العهر التلفزيوني .
أنا الشعب الذي اجمعوا على انه المطحون، ولكن قد اجمع الطاحنون ، وأنا المسروق ، عندما اتفق السارقون ، وأنا المشنوق ، وأنا المنهوب حلما وحرية ومالا ودما احمرا . لقد اتفق السابقون واللاحقون على ذلك ، واخبروا كل الآذان التي تكتب وتقرا ،أو لا تعرف شيئا عن ذلك .
هناك من يسرق الخبز من يد الوطن ، هناك من يقطع يد الوطن ، ولكن أي المجمعون يشير إلى السارق أو الطاحن أو القاطع .
من الذي سرق الخبز من يد أطفالي, وسرق البسمة من يد ابنة الجيران. من يخبر الجميع عن السارق دون أن يصم آذاننا بالعويل الأرضي والفضائي والأثيري.
من هو الذي حرق أصابع الأتقياء عندما تجرؤوا أن ينطقوا بلا في تشهدهم ، في حاضرة ملك أبيه المقدس الموروث طاحنا عن طاحن .
من تسلل في العتمة الصماء إلى مجراتنا ، واستمع إلى خلواتنا ، وأباح لسلطاته المطلقة أن تتخذ ما اتخذ الله حقا لنفسه ، يعلم خائنة الأعين ويطلع على الأسرار والخصوصيات ، فهو حق لله من دون عبيده .
ما دام كل المجمعين يجمعون كما لم يحدث من قبل : أن هناك من يسرق خبز أطفالي ، وينهب أحلامي أنا الأب والرجل والشاب العربي ، وان هناك من أحق لنفسه أن يصادر نقوش الشهداء ووصايا الأولياء ، ويحاول إعادة تفسير الكتب المقدسة من اجل إكمال ملايينه إلى المليار ورجالاته إلى القنطار ،فمن يتولى الإشارة إلى سارق الفرح العربي .
من هو الذي يحمل وضمة دمي على جبهته الصماء
من أطلق الرصاصة الأولى والثانية والثالثة والأخيرة على حلمي ورغبتي بإنسانية بهية نقية
من هو صاحب المقام العالي أو المقام المنخفض الذي اتخذ لنفسه شرف تجويعي لكي اركع عند بابه طالبا مغفرته لذنب اقترفته بانشغالي بأمر إخوتي الضعفاء والشهداء في المدائن العربية بدل انشغالي بتمجيد آبائه وأمهاته والملحق بأهله .
اسري كل صباح ، وقد لا أعود ذات مساء ، وأنا احرق جسدي ،لكي اصنع لأبي وأمي حلما اقسموا على الله أن يدعهم يحيوا حتى يروه ، وخبزا وبسمة بهية لأطفالي ، وأملا بان الحياة كما أنجبت من رمل الصحراء المحترق زيتا اسودا ينير ظلام الدنيا وآلاف الشوارع للمترفين فلا بد أنها يوما ما ستخرج زيتا ابيضا ينير أيام المسروقين والمطحونين بين الرحايا والأقطاب العالمية سياسية وجغرافية .
ولا يزال المجمعون يجمعون . لقد اتفق الجميع أن الدم مسفوك وان الوطن العربي مسروق ، وان قميص يوسف قد من دبر ، ولكن أيهم سوف تأكل الطير من رأسه ، أيهم سيطهر قلبه المتفحم من دعوات ملايين المسروقين
أيهم يعترف انه من سرق خبز أطفالي.
لا احد يشير حتى الآن بإصبعه المحشوة ماسا وعقيقا
لا احد يخرج يده السوداء من جيبه حتى لا يرى الجوعى فتات الخبز في أكمامها
لا احد ينتصب واقفا حتى لا يرى رداء المسحوب خلفه أمتارا ، وفي الناس آلاف العرايا يسترهم الشتاء بزمهريره والصيف بحريقه .
أنا الشعب المطحون من الليل إلى الليل، ومن الفجر إلى الفجر ، شعب من الآباء والأمهات الجوعى وقبائل من العشاق والشهداء والأولياء والمطحونين من الفرن إلى القرن ، منا أشعث اغبر لو اقسم على الله لأبره ، نقسم على الله الجبار ، العلي الأعلى ، ذو القوة أن يعيد الخبز النقي إلى يد الجوعى ، كل الجوعى ، والدم إلى عروق المذبوحين والمصلوبين ، والبريق البديع إلى عيون الأمهات الصابرات
ونسأله ربنا ، رب الأرباب ، أن ينصف الأصابع المقطوعة من اجل أنها ما قالت إلا حقا ، وان يسير الراكب من بغداد إلى القدس دون أن يطلب منه أن يقدم تقريرا عن لون عظامه
وان نعلم جميعا مقهورين ومسروقين ومطحونين، من سرق الخبز من يد أطفالنا.....